(لولا أنى رأيت ما كنت أقتنعت .. ولولا أنى أقتنعت بما رأيت ماكنت حكيت)
مقولة الفيلسوف : أنا!! … طبعا أنا لا فيلسوف ولا حاجة بس حبيت أبتدى حكيتى بمقولة (مفتكسة)!!
الحكاية أبتدت من رحلة عادية جدا مع أتنين أصحابى (الأنتيم) أبو جريشة و محمد وهران.. كنا رايحين (ملاهى السندباد) .. طبعا مش رايحين نتمرجح لكن كل واحد لة الدافع للرحلة دى يعنى مثلا .. (وهران) رايح عشان يقابل (الحتة) بتاعتة .. و أبو جريشة رايح عشان يعمل فيها (تامر حسنى) أدام البنات .. أما أنا و بكل صراحة عشان هربان من صدمة شديدة جدا جدا و بحاول أخرج نفسى منها!!
طول الطريق فى الأتوبيس حاطط سمعتين (MP4) فى ودنى و عمال أعيد أغنية ساموزين (أيام فى بعدنا فاتوا) حاسس إنى مش عايز أسمع غير الغنوة دى … بس للأسف كل شوية ألاقى حد من (البنى أدمين) اللى معايا يقطعنى بكلام تافهة وكأنها رزالة وخلاص .. لدرجة إنهم وصلونى إنى زعقت فيهم .
بعد طول طريق بمجرد ما وصلنا (للملاهى) شبك (وهران) مع الحتة بتاعتة و أبو جريشة عمل فيها (طفل) و جرى على لعبة (العربيات) و فضل يخبط فى أى عربية فيها بنت .. و انا بصراحة قولت أقضيها تجول و زى ما رجلى تودينى .
حسيت أنى توغلت و بعدت عنهم لدرجة إنى لو عايز أرجعلهم مش هعرف .. بس مهمنيش (ساموزين) فى السماعات عامل أحلى شغل و فى شئ بيدفعنى إنى أكمل ، لحد ما لفت نظرى حاجة غريبة جدا جدا …
مبنى صغير مكون من دور واحد فية باب و شباك بيطل منة إضائة خفيفة جدا و مكتوب علية (طير أنت) !!
طبعا أنا أستغربت قولت الفيلم دة أتعرض على الفضائيات صعب ينزلوة سينما تانى بس حسيت بشئ غريب و إنى عايز أستكشف إية حكاية المبنى دة ، شلت السماعات من ودنى و لاحظت الهدؤ العجيب خصوصا إننا أول الليل بس المكان زى ما يكون مطرف و بعيد عن الملاهى … قربت ببطئ ملحوظ و أنا سامع خطوات رجلى و صوت الهواء …. قربت من الباب و كان مكتوب علية بعض الكلمات بخط صغير جدا … قربت أكتر عشان أقرأ الكلمات دى …. و فجأة سمعت صوت طرقعة الباب و لاقيتة بيتحرك و أنفتح من المفاجأة لا إرادى نطيت نطة خلفية بسيطة بفزع …. و ظهر أدامى ما لا أتوقعة !
رجل طويل و عريض فى سن الستينات لابس جلباب أبيض و لية لحية بيضاء طويلة … ووقف أدامى لمدة ثوانى بنظراتة المتجردة من أى مشاعر … تلقائى لاقيت نفسى بقول :
- مش أنت يا حاج بتاع قصة (البنت دى مزة)
إتحولت نظراتة إلى إستعجاب و هو بيقول: قصة إية يا أبنى؟!!!
حسيت بإحراج : لا أبدا يا حاج معلش .. المفاجأة بس!!
إبتسامة مريحة على وشة وهو بيقول : تعالى أتفضل يا أبنى
حسيت بتردد لكن هو قال الجملة و دخل و الفضول شجعنى شوية و بدأت أخطو بخطوات بطيئة و بحذر شديد
المكان من جوة عكس الظاهر لية من برة خالص … الإضائة فية معقولة و واسع و مرتب بطريقة دقيقة جدا و كانت درجة حرارتة مظبوطة نتيجة (التكييف) و تحتة مكتب وكأنة جزء من شركة فخمة ، قعد الراجل أبو لحية بيضاء خلف المكتب و شاور بإيدة : أتفضل أقعد
قعدت بحذر و أنا مش لاقى أى كلام أقولة لكن هو أبتدى بالسؤال و الإبتسامة المريحة ما زالت على وشة :
- إية شدك للمكان هنا ؟
- الحقيقة أنا جاى زيارة للملاهى مع أصحابى بس أنا أتمشيت شوية و بالصدفة لاقيت المكتب دة و بصراحة اللى شدنى أسمة
ضحك وهو بيقول : أكيد قولت هتدخل هتلاقى (أحمد مكى) جوة عامل فيها (أتش دبور) ههههههههه
مقدرتش أمسك نفسى و ضحكت بتعجب إن راجل بالهيبة دى عندة روح المرح و يعرف (أتش دبور) بس الحقيقة حسيت إن بدأت أهدء من القلق اللى كنت فية !
تابع الرجل الكلام : أسم الكريم إية؟
- رامز
- أهلا بيك يا رامز … بتقتنع بالجن؟!!!
بلعت ريقى و زادت ضربات قلبى و حسيت إن السؤال نزل عليا زى الصاعقة بس حولت أدارى كل دة و رديت :
- أة طبعا .. الجن مذكور فى القرأن و انا شوفت أمثلة كتير عن الجن و أفعالة
- إمممم بس انا مش بقتنع بية… مع أقتناعى بوجودة!!
- ……….. مش فاهم حضرتك!!
- أنا مقتنع بوجودة لأنة مخلوق .. ذكرة الله فى القرأن .. بس أنا مش بقتنع أنة ممكن يتحكم فى حياة إنسان
ملقتش أى كلام أقولة غير إنى أبتسم إبتسامتى البلهاء .. بينما الراجل بيتابع كلامة :
- طبعا أنت قلقان و زمانك من جواك بتقول الراجل دة شكلة عفريت .. بس انا سألتك عشان فى (الفيلم بتاع أحمد مكى) طلعلة عفريت لكن هنا مفيش عفاريت
- بصراحة يا حاج انا منكرش إنى مستغرب إسم المكتب و المكان و الجو نفسة
هز الرجل رأسة بالإيجاب و هو بيقول:
- أنا عارف .. لا متقلقش … وبعدين فى عفريت عندة تكييف و كمبيوتر و مكتب .. دة يبقى عفريت من الحزب الوطنى (سابقا بقى) هههههههههه
فجأة لاقيتة ركز فى وشى وهو بيقول :
- فى حاجة على عينك على الرموش
تلقائيا مسحت عينى لكن هو مازال مصر إن فى حاجة على عينى و قال :
- طب غمض عينك بس
و فعلا غمضت عنيا بحسن نية .. وفجأة … دوى فى المكان صوت طرقعة إيد الراجل على أفايا… فتحت عنيا و وقفت و انا مزهول من الفعل دة :
- أنت مجنون يا راجل أنت؟
لكن حسيت إن دماغى نملت و زى ما تكون فى كهرباء خفيفة فيها قولت و انا مستغرب و بحرك رأسى:
- أنت عملت فيا إية؟
- أنا أسف يا أبنى كان لازم أعمل كدة .. أقعد و أنت هتبقى كويس وانا هشرحلك كل حاجة
قعدت على الكرسى غصب عنى لأنى حسيت إنى غير متوازن … وفجأة لقيت بيمد إيدة ناحية رأسى قولت:
- تااااااانى
أبتسم الراجل و قال : متقلقش يا أبنى أنا هشيل دى!!!!
و نزع شئ من (أفايا) أشبة بالجلدة الرقيقة و حطها على جهاز متصل بشاشة زى الكمبيوتر .. فجأة أضائت الشاشة و عرضت ما لا أتوقعة …. نورة!!!
أمتلأت الشاشة بصورة نورة البنت اللى بحبها و بسببها بمر بأصعب حالة الأيام دى .. لكن مكنتش صورة ثابتة كانت نورة بتتحرك وواقفة فى المكان اللى كنت بشوفها فية دايما بعيونها (البنية) البريئة و كأن الشريحة دى أخدت بيانات من ذاكرتى و خزنتها فيها …. رغم إنى فهمت الفكرة بسرعة لكن برضة أستغربت و سألت :
- إية دة ؟
- حلوة نورة
- أنت تعرف أسمها كمان؟ .. فهمنى إية اللى بيحصل؟
- بكل بساطة يا أستاذ رامز الشريحة خزنت شوية حاجات من زاكرتك ليها و بتعرضها هنا
- أااااااة لا بقى يبقى المفروض تكتب على المكتب (8 جيجا) مش (طير أنت) … و بعدين مين اللى سمحلك أنك تكشف أسرارى؟!!
- متقلقش يا أستاذ رامز .. الشريحة خزنت اللى سمح بية عقلك الواعى .. أما أسرارك فى منطقة تانية فى مخك متنكشفش إلا لو أتخدرت … غمض عينك!
- هاهاااا قديمة .. إية عايز تاخد حاجة تانية من دماغى؟
- غمض عينك و فتحها على طول
و رغم إن كان عندى أحتمال كبير إنى أسمع صوت طرقعة إيدة إلا إنى غمضت و فتحت عينى فى مدة لا تتجاوز اللحظة …. لكن فجأة لقيت نفسى فى مكان تانى …. فى مكان أنا كنت فية قبل كدة …. ولمدة ثوانى أدركت إنى واقف فى المسجد اللى فية أتكتب كتاب (نورة) و لاقيت واحد من ظهرة نفس جسمى ولابس نفس لبسى .. لكن كل شئ واقف .. وكأنها صورة فيلم واقفة مؤقت و لكن الغريب إن الراجل أبو لحية واقف جنبى و بيبتسم … فجأة قولت :
-إية اللى بيحصل دة ؟!! … أنا فى حلم ولا إية؟ … أنا كاتب قصة فيها راجل بأوصافك و فيها حدث مشابهة لدة … ممكن تفهمنى ؟
زادت إبتسامة الراجل وهو بيقول :
- حقيقى أنت شخص غريب… جالك قلب تحضر كتب كتاب و فرح البنت اللى بتحبها؟!! … عارف يا رامز يوميها كان هيحصل إية؟
مقدرتش أتكلم ولا كلمة … لكن حرك إيدة اليمنى بحركة دائرية وكأن دة بداية العرض لاقيت كل شئ حواليا دبت فية الحركة حتى الشخص اللى واقف أدمى اللى هو شبيهى …..
شوفتى شبيهى واقف فى وسط المسجد و كان على وشة إبتسامة غريبة جدا … قربت من شبيهى وانا مستغرب و ظهرت (نورة) وهى بفستانها الأبيض ولاقيت شبيهى وشة أحمر و رعشة غريبة نفضت جسمة وفجأة صرخ صرخة رهيبة لفتت نظر كل اللى موجودين و لاقيتة بيعمل أفعال جنونية ..
جرى شبيهى ناحية المأذون و مسك الدفتر بتاعة و قطعة وعلى وشة غضب و هياج عجيب و الناس أتجمعت حوالية و حاولت تمسكة… لكن كل اللى يقرب منة كان يضربة بطريقة جنونية لدرجة إن الناس حست إنهم مش هيقدرو يسيطروا علية أبتدوا يطلعوا يجروا من المسجد … طلع شبيهى وراهم و فجأة وقفت (نورة) أدامة ….
أنتفض جسمة ….. حسيت برعشة رهيبة فى جسمى و فى جسم شبيهى .. ووقف لمدة خمس ثوانى وهو بيتنفس بسرعة و دمعة تنزل من عينة الحمراء … حسيت إنة عايز يدارى دمعتة فجرى من أدامها ناحية الشارع بكل جنون … و لاقيت شبيهى بيبعد وانا واقف جنب (نورة) لكن هى مش حسة بية ولا حد شايفنى … وفجأة سمعت صوت أرتطام عربية و أزاز بيتكسر … صرخت (نورة) ولاقيت الكل بيجرى ناحية الشارع وانا من ضمن الناس … ولاقيت شبيهى على الأرض غرقان فى دمة أدام عربية و الناس ملمومة حوالية …. حسيت برعشة غريبة فى جسمى …. وفجأة وقف كل شئ و رجع للثبات على المشهد دة …وظهر الرجل صاحب اللحية من بين الناس ووقف جنبى وهو بيقول بكل بساطة :
- أتجنن و مات!!
- الشريحة دى مخدرات و انا بهلوس دلوقتى صح؟
ضحك الرجل بهدؤ أعصاب خلانى أنفعل و أنا بصرخ فية:
- أنت خلتنى أهلوس .. رد عليا و بلاش تستفزنى بضحكك دة
- أهدئ يا رامز.. و أنت تفهم كل حاجة …تعالى نتمشى شوية!!!
- نتمشى فين متجننيش…
بمجرد ما صرخت بالجملة دى و مع طرفت عينى لاقيت نفسى واقف فى بلكونة شقة و (نورة) واقفة فيها و كانت بتبكى جريت عليها:
- نورة متعيطيش أنا عايش .. نورة دة مش حقيقى!!
- مش هتسمعك يا رامز … لأن كان دة اللى هيحصل بعد كدة … كانت هتحس بالتأنيب طول عمرها .. لأن بسبب أختيارها راح إنسان هى متأكدة هو أد إية بيحبها … وكانت حياتها هتبقى غير مستقرة ….
ظهر جوزها وهو على وشة الغضب و بيعاتبها و العتاب تحول لمشدة .. وكان الراجل بيتابع الكلام:
- أما جوزها فهو عايش فى عدم راحة بسبب تقلبات مراتة.. و أتخلق بينهم حاجز غير مرئى لكن محسوس
- أنت عايز تقول إن حياتها أتدمرت بسببى؟!!
- كانت هتدمر….
حرك الرجل إيدة اليمنى مرة أخرة ولاقيت نفسى رجعت للمشهد الأول وشبيهى واقف فى منتصف المسجد .. وتابع الكلام :
- لكن ربنا كان كاتبلك عمر و رايد الأحداث تمشى بصورة تانية.. فأعطاك الصبر .. وخلاك أنت بنفسك تصور كتب كتابها !!
- إنت عايز توصلى إية يا حاج؟
- إممممممم بص!!
فجأة تحول المسجد الى أوضة نومى ولاقيت شبيهى ماسك الموبيل و بيقول :
- جهزى شنطتك و أنا جايلك حااالا
أستغربت جدا و قولت :
- بس المكالمة دى محصلتش!!
أبتسم الرجل و ظهرت أسنانة البيضاء :
- تابع يا رامز الأحداث !!!
و فى طرفة عين لاقيت نورة مع شبيهى فى وقت متأخر و راكبين عربية على طريق سفر … وطرفة تانية لاقيت شبيهى واقف مع نورة فى شقة غريبة و كانت على الوشوش الغضب و سمعتها قالت:
- أنت اللى وصلتنى لكدة ياريتنى ماكنت سمعت كلامك
- نورة أحنا معملناش حاجة غلط … اليوم اللى مشيتى فية معايا أنا أتجوزتك على سنة الله و رسولة
- لكن أمى غضبانة عليا بسبب العاملة دى … إذاى أنا وافقتك و هربت وجيت معاك
- أنتى عارفة إن مكانش أدامنا غير كدة و إلا مش هنكون لبعض
- لكن أنا فقدت أهلى و كلهم بيبصولى بنظرة وحشة بسببك … حسبى الله و نعم الوكيل!!!
المشهد الغريب دة خلانى أهز رأسى بالنفى و أنا بقول :
- إية اللى بيحصل دة ؟ … لالالا دة كدب اللى بيحصل
بص لى الرجل بثقة :
- اللى أنت شايفة دة يا رامز كان ممكن يحصل يوم ما أنت عرفت إنها هتكون لغيرك
- لكن أنا عمرى ما أعمل حاجة زى كدة و هى عمرها ما كانت تقبل كدة!
- عشان كدة يا رامز كان أختيار ربنا ليكم إنكم تبعدوا عن بعض .. لكن .. متفقدوش بعض
- منفقدش بعض؟!!!
- أة … متفقدوش الثقة و الشئ الطاهر اللى بينكم و الأحترام و تفضلوا أدام بعض كبار
- طيب يا حاج بدل كل دة لية ربنا مخترش إننا نكون لبعض بصورة طبيعية ومكناش نتفارق؟!!
- أستغفر الله العظيم … اللهم لا أعتراض… يا أبنى الدنيا دى عبارة عن سلسلة من الأسباب مرتبطة ببعضها … و لما بنقول إن كل شئ أسمة و نصيب لأن أختيار ربنا هو الصح لأنة هو اللى منظم السلسة دى ترتبط ببعضها إزاى … الحكاية أكبر من مجرد إنك تكون ليها وهى تكون ليك … لأن كل حدث بيترتب علية سلسلة كبيرة من الأحداث …. يكفى يا رامز إنكم بتفتكروا بعض بالخير و بالأحترام ، و الله أعلم .. إية اللى مكتوب!!!
طرفة عين و تحولت الشقة الى المكتب و الرجل قاعد أدامى بإبتسامتة المريحة وهو يقول :
- حمد الله على السلامة يا نورة!!!
- بس أنا………!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!!
حسيت إنى الدنيا لفت بيا و قلبى زادات دقاتة و نفسى وقف لما سمعت صوتى ….. صوتى هو صوت نورة!!!!
حسيت بإحساس غريب و بصيت لجسمى لاقيتة جسم نورة بلبسها… قولت بصوت نورة :
- مش ممكن !!!!!!!!!
سألنى متجاهل تعجبى :
- إية رأيك يا نورة فى رامز؟
وكانت المفاجأة إنى لاقيت نفسى بجاوب رغما عنى بصوت نورة:
- رامز أنا بعزة أوى أوى و اللى بينا كبير.. الحمد الله على النصيب … بس ربنا يوفقة فى حياتة أنا بتمنالة الخير
و فى طرفة عين حسيت برعشة ملكت جسمى و أنا بصرخ :
- إية اللى بيحصل دة؟
لكن الصرخة دى سمعتها بصوتى و بصيت على نفسى لاقيتنى أنا .. بصيت للرجل و انا فى قمة الرعب لكن تجاهل أنفعلاتى و قال:
- إية رأيك يا رامز فى نورة؟
- ربنا يعلم هى بالنسبة لى إية .. و رغم إن مفيش نصيب بس مازالت ليها معزة جوايا و كل أحترام .. الحمد الله .. ربنا يوفقها فى حياتها…..
فجأة حسيت بإحساس غريب من جوابى … لا إرادى وسعت عنيا من المفاجأة و أنا ببص للراجل و أنا بقول إستنتاج رهيب :
- اللى أنا قولتة دة معناة إن نورة كانت….
قبل ما أكمل جملتى أتسعت عين الرجل و أبتسم أبتسامة عريضة و عينة مليانة فرح و خبط كفة الأيمن على الأيسر بكل قوة و سمعت صوت فرقعة رهيبة و حسيت بضغط هواء فى ودنى غمضت عينى من قوة الضوء الأبيض اللى ملت المكان لحظة الفرقعة ……
فجأة سمعت صوت سامو زين فى ودنى و نسمة هواء حاملة رائحة التراب … فتحت عينى بتقل رهيب .. لاقيت نفسى ممدد على الأرض فى المكان (المطرف) اللى فية المبنى … لكن المفاجأة إن المبنى ملوش أى أثر … قمت منتفض من على الأرض و لا إرادى أتجهت جرى ناحية الملاهى و رجلى لوحدها دلتنى للمكان اللى فية (وهران) وكان قاعد هايم مع البنت اللى يعرفها … هجمت على (الترابيزة) اللى قاعدين عليها … بحركة مفاجأة أتنقل توترى لـ (وهران) :
- مالك يا أبنى إية اللى عمل فيك كدة؟!!
- هناك … هناك يا وهران
- طيب تعالى بس أقعد و أهدى أشرب مية و فهمنى فية إية!!
و فجأة سمعت واحد فى (الترابيزة) اللى ورايا بيقول :
- طب بس أهدى و فهمينى إية اللى حصل!!!
و سمعت صوت واحدة بتبكى …. حسيت إحساس غريب جدا جدا إن اللحظات اللى جاية دى لازم أتمالك فيها نفسى و إلا هتجنن …
بصيت للترابيزة اللى ورايا ببطئ شديد …. ولاقيت واحد قاعد مدينى ظهرة و أدامة ……و احدة جت عينى .. فى عنيها (البنية) … و فضلنا بصين لبعض متجاهلين اللى حوالينا مع صمت قد يطول زمنة !!!
يتبع …
طريق الغروب (2) - هذا يومها !
تأليف : رامى الجنزورى
توقف عن الكتابة!
سقط القلم من يدة و وضع يدة على رأسة عندما تذكر هول هذا الموقف … عندما تذكر نظرتها لة فى صمت شعر أن مدتة زمان طويل رغم أنها ثوانى … نظرات تحمل التوتر و المفاجأة و الشوق و الحنين و الفرح و البرأة و … و … و… و أحاسيس مختلطة لم يقابل هذة النظرات منة إلا مثلها و لكن … كان غير قادر على أن يتكلم أو يبدى أى رد فعل حتى لا يلفت نظر زوجها الجالس فى المنضدة الخلفية لة!!
تذكر هذة اللحظات و قطرات دمعة من عينة سقطت على إسم (نورا) المكتوب على الورقة , كان لا يعلم لماذا يدون هذة الأحداث و لمن يدونها .. لا يعلم وتوقف تفكيرة فى هذة اللحظة .. فقد أشتد الصراع الداخلى بين الرضا بالقضاء و القدر و بين أمنيتة و نفسة و حياتة التى و جدها فى (نورا).
مازال لا يعلم هل ما حدث فى تلك الليلة حقيقى أم وهم؟!
هل حقا كان هناك مكتب و صاحبة الرجل ذات اللحية البيضاء و رأى كل هذة الأحداث و فقد الوعى .. ليعود الى وعية و لم يجد للمكتب أثر؟! … هل حقا كانت (نورا) و زوجها فى المنضدة الخلفية و كانت تبكى؟!!
لم ينكر أنة تعلم درس كبير من هذا الموقف الغريب و لكن ما زال إحساس (نورا) بداخلة عندما كان فى مكتب (الرجل صاحب اللحية) و تحدث و وجد صوتة و شكلة تحول الى (نورا) و مازال يشعر كم كانت تحبة و تشتاق إلية و أنها فى أوقات تتمنى أن تكون معة .. و لكن فى الأغلبية كانت ترضى بما قدرة الله و بالنصيب … كل هذة المشاعر مازالت داخلة و كانت تزيد تعلقة (بنورا) لأنها تؤكد أنة مازال لة مكان فى قلبها.
لم يقطع هذة الأفكار و أحاسيسها سوى صوت رسالة تذكير فى (هاتفة) تعرض على الشاشة التاريخ (27/7/2011) الساعة 10 صباحا …. مناسبة الرسالة : عيد ميلاد نور الحياة!
شعر باللوم على نفسة كيف ينسى هذا اليوم .. و لكن ربما لأن كل الأيام أصبحت مثل بعضها لم يعد يشعر بالفرق!
خرج من غرفتة و كان يرتدى ثيابة الذى لم يرتدية إلا فى عهد (نورا) و بعدها هجرة … فكلما رأة تذكر تلك الأيام التى كانت تجمعهم .. و لكن هذا يومها!!
أنطلق مسرعا الى المكان الذى كان ينتظر فية نورة و يتأمل كل طريق سارت فية لتأتى إلية و تقابلة بعيونها البريئة الفرحة بلقائة … شعر برغبة شديدة أن يسير على كل أرض خطت عليها قدمها ليشعر بها .. و أخذ يسير و يسير و زادت سرعتة رويدا رويدا و فى كل نسمة هواء عطرها و فى أذنة صوتها و فى كل مكان طيفها لم يدرى أن سرعتة زادت حتى أنة أصبح يركض بكل قوتة … لم يبالى أعين الناس المتعجبة … و لم يوقفة سوى إدراكة أنة أصبح أمام بيتها … أو الذى كان بيتها قبل أن تذهب الى بيت زوجها … وقف يتنفس بكل قوتة وهو يراها فى كل مكان يحيطة … كان فى عالم أخر لم يعيدة الى الواقع سوى سؤال الرجل الذى كان يقف خلفة :
- فى حاجة يا أستاذ؟!!
- نعم!
- بتسأل على حد هنا؟
لم يدرى ماذا يقول سوى الصمت لمدة ثوانى و مازال الرجل متعجب منتظر أى رد.
بينما رامز فى حالة لا مبلاة و قلة حيلة لم يشعر بها من قبل , و عينة تذهب الى كل أتجاة .. و أتسعت فجأة عندما سقطت على (ناهد) أخت نورا خلف الرجل و كانت لم تلاحظ وجودة بعد … فتجاهل أمر الرجل و لا إرادى بحركة سريعة متوترة ركض بعيد بينما الرجل سكن فى وضعة صامت متعجب و لفت نظرة شئ يلمع على الأرض مكان رامز!!
- فى إية يا عم محمد؟!
تسألت ناهد متعجبة و يبدو أنها كانت غير منتبهة الى ما يحدث فى الثوانى السابقة.
يتبع …
طريق الغروب (3) - المكالمة !
تأليف : رامى الجنزورى
قاربت الشمس على الرحيل وكانت تعكس ضؤها الأحمر الدافئ على شواطئ الأسكندرية المزدحمة بالناس و المصيفين و الأسر و الأطفال تجرى و تلهوا و الشباب يسيرون بثقة أمام البنات التى تصطنع عدم الأهتمام ، و المقاعد الفاصلة بين الشاطئ و الشارع لم يعد بها مكان فارغ
و يشق أصوات الزحام صوت ضحكة (كريم) صديق رامز وهو يحكى مغامراتة بينما رامز يبتسم محاولا أن يندمج معة و كريم يتابع الحديث:
- قولتلها نتقابل على البحر عند الشيراتون بعدها بخمس دقايق لاقيت (جيهان) كمان بتتصل .. أديتها نفس الميعاد فى نفس المكان .. و أنا واقف بعيد و متخيل المنظر لما الأثنين يشوفوا بعض هناك ههههه
- الله يجازيك يا كريم دة أنت اللى هيجرى لك مش شوية
زادت ضحكة كريم و هو يتكلم بكل فخر:
- يا أبنى دول يستاهلوا أكثر من كدة… أنا متكلمتش مع بنت و عرفتها إلا لما جتلى البيت!
أدار رامز رأسة و هو يردد بصوت منخفض قليلا:
- كل واحد بيوقع على اللى شكلة
نظر كريم بدهشة:
- نعم؟!!!
أبتسم رامز:
- أقصد يعنى أنت مش بتنقى غير البنات اللى من النوع دة … بس برضة فى بنات محترمين و متربيين !
- يا عم رامز أدينا بنتسلى و لما نلاقى المحترمة يبقى يحلها ربنا
- بالشكل دة معتقدش إنك هتلاقيها!
شعر رامز بوخذة فى كتفة من أثر صدمة خفيفة بذراع بنت كانت تجلس بجوارة على نفس المقعد مع صاحبتها، تلقائيا نظر رامز لها …. إبتسمت و قالت:
- سورى
حرك رامز رأسة بالإيجاب و وجهة أنتباهة لكريم مرة أخرى ، حرك كريم رأسة بسخرية وهو يردد:
- و تقولى هتلاقى المحترمة … عند أمة يا أدهم !!
أصر رامز على موقفة:
- يا أبنى خلى عندك ظن حسن بالناس … أنت شكلك أتعقدت من كتر اللى بتتعامل معاهم
و شعر رامز بنفس الوخذة و لكن أقوى من المرة السابقة … فوجهة نظرة الى البنت بتعجب فقالت بنفس الإبتسامة:
- سورى … مش قصدى
حرك رأسة بالإيجاب: - ولا يهمك!
ضحك كريم و خبط بكفة على جبهتة :
- ظن حسن ! … سلامتها أم حسن … أنت غلبان يا رامز البنات عداد الهرمونات عندهم فتح على 160 .. أراهنك لو فى بنت من اللى قاعدين دول مش علـ …..
وضع رامز يدة على فم كريم و هو يضحك بدهشة و يقول:
- بس يلا أنت عبيط؟!
دوت ضحكة أنوثية من البنات المجاورة لرامز و هو ينظرون لة ، شعر بالإحراج و أنة بدأ يقتنع برأى كريم الذى نزع يد رامز من على فمة و هو يقف و يقول:
- و النبى أنت اللى عبيط … قوم بدل ما تفضحنا!
سار رامز بجانبة و هو يسأل بتعجب:
- أنا برضة اللى هفضحك … أنت مش حاسس بصوتك و الكلام اللى انت بتقولة؟!
كريم بإنفعال: - يا أبنى أنت فعلا عبيط … البت عمالة تلاغى فيك من الصبح و أنت عمال تقول إحترام .. وحسن .. و مش عارف إية!!!
تغيرت ملامح رامز الى شئ من الحزن و الألم ولاحظ كريم هذا التغيير فتابع كلامة بإسلوب لين :
- أنت زعلت ولا إية؟ … خلاص يا عم أنا بهزر معاك
- لا و الله يا كريم ما فى زعل ولا حاجة … بس لما يكون معاك ملاك و يروح منك و تلاقى نفسك فى وسط شياطين … تحس إنك كنت فى حلم جميل أبتدى و أنتهى بسرعة.
ظهرت الجدية على ملامح كريم :
- ياااااة يا صاحبى لسة جرحك بينزف؟!! .. ياما نصحتك سيب الجرح يتداوى و بلاش تلعب فية عشان مينزفش تانى!
إبتسم رامز لا يدرى ماذا يقول سوى :
- سلمها لله!
- على فكرة يا رامز الحكاية بدأت تطور معاك خصوصا بعد اللى أتهيئلك إك شوفتة (يوم الرحلة*)!
رد رامز مؤكد :
- لالالا دة مش تهيأ … أنا متجننتش يا كريم … أنا متأكد إنى شوفتها هى و جوزها فى الترابيزة اللى ورايا و بعدين لو كان تهيأ مكانش الناس اللى معايا شافوها !
كريم بحيرة : - بجد مش عارف أقولك إية بس بلاش تحط الموضوع دة فى دماغك عشان متتعبش
نظر رامز الى كريم نظرة تعنى (لا أعدك بهذا).
قطع الحديث صوت هاتف رامز من رقم متصل غريب فأجاب رامز :
- ألو
- ………….
- ألو
و ما كان رد المتكلم إلا صمت .. شعر رامز برعشة تجتاح جسدة وهو يكرر للمرة الثالثة:
- ألو
و مازال الصمت شعر أن المكالمة قاربت على الإنتهاء و بدون أن يفكر قال و أنفاسة تتزايد و تتسارع :
- كل سنة و أنتى طيبة!
و ما أن أنهى الجملة حتى أنهى المتكلم المكالمة , نظر كريم الى رامز بتعجب الذى قابل هذة النظرات بصمت و دهشة و رعشة فى جسدة لم تهدئ بعد.
يتبع …
طريق الغروب (4) - القلب الفضى !
تأليف : رامى الجنزورى
كانت تقف فى المكان المعتاد أن يتقابلوا فية .. و ما أن رأها حتى تعجب و أبتسم بدهشة و أخذ ينظر لها غير مصدق أنها هى بنظرتها البريئة و عيناها التى يملائها الشوق و الحنية , و ما ان أقترب منها حتى نظر لها فى صمت يملئة الكلام لمدة ثوانى … بينما هى تنظر فى عينة بشوق الى الكلام الذى تقرأة من نظراتة , و ما أن طالت المدة حتى و جهت عيناها فى جهة أخرى خجلا ثم كسرت الصمت بسؤال هز روحة و كيانة :
- إزيك يا رامز؟
حاول أن يهدئ من روعة و لكن لم يتمكن من الكلام … فقط مد يدة لها بالسلام , خجلها جعلها تتردد و لكن شوقها جعلها تضم يدها فى يدة و تشاركوا أحساس واحد بالشوق و نشوة اللقاء بعد فراق.
لم يتمكن رامز من أن يبدأ كلامة سوى : - يااااااا
أبتسمت و أغمضت عيناها لمدة ثانية و نصف لتتمكن من السيطرة على المشاعر المختلطة بداخلها …. كم كان يعشق رامز هذة الحركة فقال و الأبتسامة ما زالت على وجهة:
- لسة زى ما انتى يا نور
و كانت دقائق تحمل الكثير من الكلام فى صمت , بينما هم يسيرون فى نفس الطريق الذين أعتادوا أن يسيروا فية … شعرت برعشة يدة الخفيفة عندما نظر لها و وجد شفق الغروب الهادئ ينعكس على وجهها و هى تقول:
- هدية مقبولة منك
رد بإبتسامة الفرح : - كان نفسى أشوفك اليوم دة و أنا أديكى عمرى كلة ولا يغلى عليكى.
- هديتك وصلتنى و بجد جميلة أوى
بإبتسامة تعجب : - وصلتك إزاى ؟!! … أنا معرفتش أوصلك!
فتحت كفها الأخر الذى يحمل (ميدالية) فضية على شكل قلب …. تعجب رامز :
- بس الميدالية دى اللى أنتى أهدتينى بيها .. الحاجة الوحيدة اللى من ريحتك .. وصلتلك إزاى؟!
ضحكت نورا بكل برأة على دهشة رامز … و رامز لا يزال يحاول أن يدرك الأمر … و لكن تحولت ملامحة الى الجدية و توقف عن سيرة و توقفت نورة أيضا متعجبة : - فى إية؟!
أشار رامز بالسبابة أمامة : - تعرفى الراجل دة؟!!!!
نظرت نورا أتجاة سبابة رامز لتجدة الرجل طويل القامة .. عريض المنكبين بلحيتة البيضاء الكثيفة و جلبابة الأبيض …. و ما كان رد فعل نورا سوى قلق و دهشة تملكتها للنخاع و هى تقول :
- أنت تعرفة منين؟!!…. أستنى … متقولش إن إنت اللى كنت موجود …
أكمل لها رامز الكلام بإبتسامة متوترة : - فى الملاهى؟!
أقبل الرجل عليهم وهو يبتسم و يقول بمزاح :
- أنت ماسك إيدها كدة إزاى؟! … أنت ناسى إنها متجوزة يا أخينا؟!
تشاركوا نورا و رامز أحاسيس مختلطة لا أسم لها جعلتهم ينظرون الى بعض ثم أعادوا نظرهم الى الرجل مرة أخرى .. و هنا سأل رامز: - أنت مين يا حاج؟!
أجاب الرجل بأسلوبة الطريف وهو يصطنع الخشونة بملامحة و صوتة : - أنا جوزها يا ولد!
لم يتمكن رامز من أتخاذ أى رد فعل سوى الصمت و شعر بتوتر نورا التى زادت ضربات قلبها.
ضحك الرجل و قال : - مالكم خايفين كدة لية؟… ميخافش إلا اللى بيعمل حاجة غلط !
رامز بإنفعال : و مين اللى قالك إنى خايف منك … إن كنت جن ولا إنس … أنت عايز مننا إية؟!!
أبتسم الشيخ بملامح طيبة كالأب الحنون و وجة نظرة الى نورا متسائل:
- وصلتك هديتك؟!
أجابت نورا بحركة رأسها فى صمت و قلق .
زادت أبتسامتة و قال بلين : - كل سنة و أنتى طيبة يا نورا ….. مش عايزك تقلق يا رامز!
- أقلق من إية؟
- على هديتك .. لأنها وصلت!
- إنت تقصد إية؟
إبتسم الشيخ فى ثقة : - هتعرف لما ….. تصحى!
تردد صدى هذة الجملة فى أذن رامز و تحول العالم حولة الى ظلام دامس .. و فى لحظة فتح رامز عينة ليجد نفسة فى فراشة و قلبة يتزايد دقاتة و يتنفس بسرعة و كأنة كان فى سباق ركض.
كان الظلام مازال .. و سمع صوت أذان الفجر يتردد فى كل مكان , قام مسرعا و أضاء غرفتة
و أخذ يفحص ملابسة بحثا عن (ميدالية القلب الفضى) حيث كان يضعها فى قميصة الذى كان يقابل بة نورا .. و لكن ……. لم يجدها!
بدأ يبحث كالمجنون فى كل غرفتة وفى كل ركن فيها و لكن .. دون جدوى … و ما أن يأس حتى وقف فى منتصف غرفتة و يتسأل بصوت مسموع و يردد :
- معناة إية الكلام دة؟! … معناة إية الكلام دة؟!!
طريق الغروب (5) - عطر المطر !
تأليف : رامى الجنزورى
أقبل الشتاء معلنا عن حضورة بأولى قطرات أمطارة , كعادتها منذ الصغر أسرعت نورا الى الشرفة لتستقبل قطرات المطر الباردة التى تملئ الرياح بعطر النشوة .
و لكن فى هذة السنة تغيرت الكثير من الأحوال .. فهذا الشتاء يحمل الكثير من ذكريات الشتاء الماضى و هذة القطرات التى تراها هدية من السماء الى الأرض جعلت إبتسامة بريئة على وجهها و بدأت عيناها المتأملة ترتكز فى السماء و كأنها ترى أمامها أجمل الذكريات التى حدثت فى مثل هذا الوقت من العام السابق.
تردد صوتة فى أذنها بالكلمات و الحديث الطويل الذى كان ينتهى بصعوبة بينهم .. أرتسمت فى عيناها اللحظات و الدقائق التى كانت تجمعهم … ترددت نبرات صوتة التى كانت تحمل الشوق و اللهفة فى بداية الحديث .. وكلامة المماطل عندما تقترب نهايتة.
رأت أمامها عاشق مجنون و أب حنون و أخ من دمها و أبن يحمل طبعها و روح تنتمى لها , فتحت يدها لتتأمل هذة الميدالية الفضية المجسمة على شكل القلب … هذة الميدالية التى أهدتها لة و عادت لها مرة أخرى فى عيد ميلادها السابق بطريقة لا تدركها حتى الأن!!
نظرت نورا الى السماء و شعرت بنشوة و أحاسيس رائعة رسمت على وجهها أبتسامة مشرقة … قطعت هذة الحالة الأنسجامية خطوات ناهد الأخت الأصغر لنورا , و ما أن شعرت بها حتى أخفت القلب فى قبضتها.
أقبلت عليها ناهد بإبتسامة و نظرة ماكرة و هى تقول :
- بتخبى إية؟!
هربت نورا بعيناها من هذة النظرات و هى تردد :
- لالا أبدا .. مفيش حاجة
- على أختك الكلام دة … عموما لامعة الفضة فضحتك!
قالت نورا مبررة :
- أنا كنت بدور على حاجة فى الشنطة و لقيتة ..
- و بعدين؟!
أحمر وجهة نورا:
- و … و بس!
تغيرت ملامح ناهد:
تصدقى يا نورا أنا زعلت منك دلوقتى … مش عشان كدبتى عليا فى حكاية الشنطة .. بس عشان بتخبى القلب منى .. أومال لو مكنتش أنا اللى جبتهولك يوم ما وقع منة فى عيد ميلادك!!
تنهدت نورا محاولة أن تتماسك و قالت بجدية :
- رامز أخويا يا ناهد و أنا بعزة و أنتى عارفاة و عارفة هو أد إية شخص محترم.
قالت ناهد بنظرتها الماكرة:
- ما هو دلوقتى أخوكى … بس قبل ما تتجوزى كان إية؟
لم تجد نورا أى أجابة سوى الصمت لمدة ثوانى و تابعت ناهد:
- بصى يا نورا إحنا طول عمرنا بنكلم بعض بدون كسوف ولا خجل و سرنا مع بعض .. ممكن يكون رامز دلوقتى أخوكى عشان أنتى مش من طبعك الخيانة و عايزة تصونى جوزك … بس السؤال الأهم .. .هل فعلا رامز من جواكى أخوكى و بس؟!
قالت نورا منفعلة : - ناهد أنتى عايزة توصلى لإية؟
ناهد بأسلوب لين : - أنا مقصدش حاجة … بس أنا لحد دلوقتى فى عنيا نظراتة ليكى يوم فرحك كانت عاملة إزاى .. و إنة يحضر فرحك ليها ألف معنى و معنى!
- إنة يحضر فرحى يا ناهد دة أكبر دليل على أننا أخوات.
- أو أنك وحشتية و كان عايز يشوفك ولو حتى كان الثمن إنة يتقطع من جواة من صعوبة الموقف و دة اللى كان باين فى عنية.
أرتسمت ملامح الحزن على وجهة نورا : - طب عشان خاطرى نقفل الموضوع دة وبلاش نتكلم فية تانى.
- حاضر يا نورا بس خلى بالك من (وليد) جوزك ومن اللى فى بطنك .. و ليد محترم و شايلك فوق دماغة و كلها أسابيع إن شاء الله و هيكون بينكم طفل … و أنا أوعدك إنى مش هجيب سيرة رامز ولا حاجة تخصة … حتى لو أتصل تانى!
لا أرادى نظرت لها نورا بلهفة : - أتصل بيكى أمتى؟
دوت ضحكة ناهد فى الغرفة قائلة : - لا أنا وعدتك إنى مش هجيب سيرتة تانى.
كانت نورا تحاول أن تدارى أحراجها من نظرات ناهد :
- لا مقصدش .. يعنى أقصد .. هو أتصل بيكى … يعنى .. لسة بتكلموا بعض .. فى حاجة يعنى؟!
أبتسمت ناهد و هزت رأسها و نظرت الى أعلى متعجبة ثم أعادت عيناها فى عين نورا :
- أتصل بأمك على تليفون البيت .. على أساس إنة بيطمن علينا و كدة .. الغريبة إن أمك بتعزة أوى!
- رامز بيعتبرنا أهلة .. و أنتى عارفة أد إية هو محترم و جدع و إلا أمك مكنتش سمحت لة أنة يتصل.
مازالت الأبتسامة على وجهة ناهد التى أستقرت عيناها الى الأسفل و غاصت بذهنها الى ألاف التساؤلات و التأملات باحثة عن أجابات!
*******************************
فى كافية فى سان ستيفانو (الأسكندرية) كان يجلس كريم و أمامة فتاة تنظر لة نظرات رومانسية هادئة بينما هو يتكلم بهدؤ و رقة شديدة :
- عارفة يا مريان أنا لما شفتك فى الكنيسة أول مرة حسيت أد إية انتى مختلفة … رقة و جمال و تدين , و لقيت نفسى مشغول بيكى .. كل ما أغمض عنيا أشوف نظراتك و ألاقى قلبى أتخطف .. مريان .. أنا كنت عايز أقولك حاجة!
نظرة بلهفة و هى تقول : - قول يا كريم و أنا سمعاك
- مريان و المسيح الحى أنا حياتى أتغيرت لما قابلتك و حسيت أنى …
قاطعة رنة الهاتف … تنهد كريم بضيق وهو يضع يدة على الهاتف .. و تحول الضيق الى غضب عندما رأى أسم والدة : - معلش ثوانى هرد على أبويا …. أيوة يا حاج!
نظرت لة مريان رافعة حاجبها الأيسر متعجبة!
- معلش يا بابا التليفون كان فاصل شحن … نشكر ربنا أنا بخير … حاضر أنا ورايا شغل الأسبوع دة هخلصة و أجيلك … ماشى يا حاج الرب يسوع يحفظك.
أنهى كريم المكالمة و نظرت لة مريان و تحولت إبتسامتة الى دهشة لما وجدة من ملامح التعجب على وجهها التى جعلتها تنظر لة ببلاهة و فاتحة فمها !
- مالك يا مريان فيكى إية؟!!
- أنت كنت بتكلم مين؟!
- دة أبويا!
- الحاج .. يبقى أبوك؟!
ضحك كريم : - أهااااا … لالالا دى لهجتى معاة و أتعودت أقولة يا حاج متاخديش فى بالك
- أنت هتجننى يا كريم قريب
(سبل) كريم بعينة قائلا : - طب ما أنتى مجننانى من يوم ما عرفتك و أنا بحاول أنى أشوفك .. أو حتى أسمع نبرة من صوتك .. مريان أنا عايز أقولك إنى …
قاطعة صوت الهاتف مرة أخرى الذى أمسكة بأنفعال قائلا:
- دول متفقين عليا ولا إية ؟! ….. و أنت عايز إية ياسى رامز دلوقتى …. ألو!
رامز بإنفعال شديد: - أيوة يا كريم أنت فين؟
- أنا فى مشوار كدة … مالك يا أبنى أنت بتتخانق؟
- هو أنا لو بتخانق هتصل بيك يا كريم هجيبك عشان أحميك؟!!
- أومال مالك يا عم الخفة فيك إية؟
- قولى بس أنت فين الأول؟
- أنا فى سان ستيفانو
- أة .. يبقى أكيد فى الكافية اللى بتظبط فية الضحايا بتوعك … يا أبنى حرام عليك!
- ماشى يا شيخ رامز .. أنجز وقولى فى إية؟
نظرت لة مريان بريبة و نظرة حادة …. ألقى رامز كلماتة بصيغة الأمر :
- كريم أدامك تلت أو نص ساعة بالكتير و تكون أدامى أنا فى البيت.
- ماينفعش يا رامز أنا ….
- كريم الموضوع خطير … أنا مستنيك .. ولو ملقتنيش فى البيت يبقى أنا بصلى العصر فى الجامع اللى جنب بيتنا .
- أنهى جامع؟!
- الجامع الصغير اللى أنت شفتنى خارج منة قبل كدة أنت نسيتة؟
- أاااة .. أيوة خلاص ماشى يا عم رامز أما نشوف فى إية … سلام
نظر كريم الى مريان وهز رأسة مبتسم : - مالك يا حبيبتى … مكشرة لية؟
مريان بحدة زائدة : - كريم ممكن أشوف بطاقتك؟!!!